الصفحات

يوميات رمضان || وليد.ع.العايش

_ خيمة المطر _

خيمة تعانق رمال الصحراء ، المطر هجر الأرض من سنين عجاف ، ربما سبع أو أكثر ، غبار يمتطي صهوة النشوة ، يختال كنسر يحلق في السماء السابعة ، العمود يترنح تحت وطأة جبال اللعنة ، الشجرة اليتيمة تكتب مذكراتها ، ( النهاية اقتربت ) قالت لأغصان شاحبة الأوراق تغادر بقهر الكون ، المرأة تبحث عن حطب بين ذرات غبار منتشية ، خراف يافعة ترنو إلى أفق مهجور ، العطش يدك حناجرها الصغيرة ، يهزأ من نظرات ملتهبة ، الخيمة تبدو صفراء الوجه ،
سنوات القهر جعلت جسدها الممتلئ مجرد عيدان يابسة ، شمس تلتحف ثوب اللعنة الكبرى ، يداعب الرجل ذو اللحية البيضاء أوتار ربابة حزينة ، اللحن يأبى الولوج إلى شواطئ تلك الخيمة ، اختناق دجاجة على ضفة ساقية عجفاء ، احمرار يلوح مع شحوب الشمس ، غيمة رمادية تجرجر ذيول الغسق ، تلوح الأنثى بمنديلها المتسخ بشتى كلمات التاريخ ، يظهر ظل القمر بحياء ، المطر يعلن للتوِّ وصوله ، عناق الخراف والشجرة على ضفافِ الساقية ...
________
وليد.ع.العايش


_ زقاق رمادي _

اندحار غيوم أيلول يعاني ألام الفراق ، الأوراق تتناثر على جنبات زقاق رمادي ، اشتياق شاب تهشمه مسافات طويلة العنق ، الأيام تهجر حزناً شاحباً ، جارنا أبو محمد يكابد وجعاً كجبال سرمدية ، يده ذات الأصابع الثلاثة مازالت تتحرك ببطئ ، عقود ثمانية اجتاحت ذاك الجسد المتهافت على فراش مظلم ، فأسه يبكي في زاوية مهملة ، ( أين صديقي اليافع ... ) ، قال لزوجته قصيرة القوام ، ذاتَ الجسم الذي كاد أن يخرج من حفنة ثياب مهترئة، تئن روحي تحت سماء سحيقة ، السيارة تعانق الطريق كأنثى حمامة عادت من رحلتها المسائية ، ذاكرتي تسترجع قصصاً وروايات من الزمن الغابر ، رواها في ليالي كانون بأسلوبه المعتق ، كنبيذ جبلي ، مرات كثيرة تلك التي روى قصة مثل شعبي ، أو حكايا الزير سالم وتغريبة بني هلال ، ذات ليلة كان المطر يذرف دموعه الأثيرة ، قص بعضاً من مآثره ورحلاته بين البلدان والقرى، عندما كان راعياً للإبل ، وتاجراً لبعض حاجيات النساء ، قصص الحب لم تكن غائبة عن تلك الليالي الشتوية ، أخبرني مرة بأنه تزوج سبع نساء ، ابتسمت وقلت له يومها ، ( وأنا مازلت أبحث عن واحدة فقط ) ، أمست المسافة قصيرة جداً في ظهيرة يوم حار ، ( أبو محمد يطلبك يا بني ) ، قالت أمي وعيونها تنزوي خلف حاجبيها الأسودين ، لم أكن بحاجة لأذن الدخول ، الباب كان مفتوحا ً، أبو محمد يحتفل بآخر أنفاسه ، دنوت بهدوء فوق الجسد المسجى دمعتي الأخيرة تحاورني بازدراء ...
_______
وليد.ع.العايش


_ المنديل _
أطرق برأسه المائل للبياض صوب الأرض ، رأسه تعج بآلاف الأفكار المتصارعة ، النسمات تزور وجنتيه بهدوء ، الإله كان هناك يراقب عن كثب ، شجرة السنديان ذات العقود التسعة تركع على قارعة العمر ، ثلة أطفال تحتفي عندما أزف المساء المساء ، الأم تنهمك بتحضير طبق من الطعام ، الشمس تداعب آخر خيوطها ، قبل أن تخر خلف الجبل الجاثم على ضفة مدينة شبه مضاءة ، ذاك الشاب يلمس أنامل حبيبته ، الرعشة تخترق جسدها الأسمر ، فتقرر سحب يدها نحو السماء ، لم تتنبه لنسمة شرقية داعبت ثوبها الأخضر الشفاف ،؛رجل ستيني كان يرقب وهج ساقيها ، ربما لم تمنعه كل هاتي السنين من نظرة مختلفة ، البحر يعلن حضوره منذ لحظات ، كان في رحلة استثنائية هذا اليوم ، ألقى التحية وأكمل مسيره لعناق الجبل العتيد ، الضجيج الذي ساد لفترة يتوقف لتوه ، يستغرب الرجل صمته ، تخر الشمس إلى عشها بحياء ، مازال يطرق برأسه صوب الأرض ، مد يده لجيبه بحثاً عن منديل أبيض، يمسح حبيبات العرق التي اعتلت جبينه ، عادت اليد خاوية هذه المرة ، حمل عصاه برفق ، رمق المكان بنظرات شاحبة ، ( ربما سأعود ذات يوم ) همس لنفسه ثم غادر بهدوء ... 
__________
وليد.ع.العايش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.