صدرت مجموعة(للحالمين بوحهم ) للأديب رياض طبرة عن اتحاد الكتاب العرب عام 2013 وهي تقع في 170 صفحة من القطع الصغير وتحتوي بين دفتيها سبع عشرة قصة .
يتراءى لي عنوان المجموعة عتبة لولوج عالم الحلم لدى مجموعة مختلفة من الشرائح البشرية , مما يجعلني أتساءل : ماذا تنسج أحلام هؤلاء الناس ؟ وهل يمكن لبوح الحالمين أن يتجسّد بما يحقق لهم أدنى درجة من سلام الروح والجسد؟ في عالم يزخر بالمتناقضات , ويحتشد بالمفارقات ؟
تلك التي تودي بأمنه وسلامه .
تضم المجموعة قصصها في سياق منساب سلس , يغلب عليه الطابع السردي , وأحياناً الحكائي .
القصة الأولى : تحمل عنوان المجموعة (للحالمين بوحهم ), تبوح لنا القصة بما يشبه الحلم , لدى النائم , من خلال جملة أحداث متتالية اتخذ فيها الكاتب نمط التداعيات الحرة لمخيلة نشطة , فباتت القصة أقرب إلى النص المفتوح منها إلى القصة القصيرة , يجسّد فيها الكاتب من خلال لغة فنية وتخييلية تلك الأشياء بطبيعتها الصامتة , فيجعلها تنطق وتتحرك , وتختلف وتتغاير .
القصة الثانية : (يوم الرماد) يظهر لنا الكاتب ذلك الكابوس الذي جثم على صدر المدينة , فجعلها تملّ احتفالاتها , وجعل الناس تعاف أعيادها , فبهتت الألوان , وتكاثر الرماد , ولم يعد من جدوى لها في عالم لا يستطيع نبذ خلافاته , والعودة إلى حياة طبيعية منسجمة .
القصة الثالثة : ساحة السير , يتحول الصمت إلى كلام يدور على الأنامل بالإشارات , لتتراءى ساحة السير شاهداً على هؤلاء الساكتين , الذين لم يجدوا وسيلة للاحتجاج على فعلة نكراء , أقدم عليها متسلطون جدد , متمسكين بالقول (العين لا تقاوم المخرز ) .
القصة الرابعة : (لا تشهد بالزور ) تمارس فيها اليد الثالثة لعبتها في تمزيق أواصر الوحدة بين الحارتين , والتفريق بينهما , لكنها تعجز عن تحقيق هدفها أمام حكمة ورجاحة عقول كبارها .
القصة الخامسة (إجهاض ) :
تتجلى فيها الإنسانية في أرقى صورها ¸وأقدس غيريتها لصالح الحب , رغم انكسار حلم العمر على أرضية اختيار صعب , ( التضحية بالجنين لإنقاذ الحبيبة الأم) .
القصة السادسة : (شرخ ) :
تختلط الأمور بين التصديق والتكذيب , في سيل الأحداث المتدفق من شاشات الفضائيات , لتتوضح الرؤيا في انحياز بطل القصة وزوجته إلى الرقم الصعب , أتساءل هنا : ما هو الرقم الصعب ؟ هل يقصد الكاتب الرقم واحد ؟
القصة السابعة (العربجي) :
يتراءى المخبرفي دور بائع جوال , ليحمل معه شكوك وظنون (ميرنا) التي باتت تتلخص في سؤال يتأرجح بين التخمين والتبيين , إذ لا يمكن نفي شيء أو إثبات شيء .
القصة الثامنة ( فعلها فهد):
العين بالعين والسن بالسن , مقولة يحتشد خلفها رهط من الألاعيب الصبيانية , والمقالب الأخوية ,بين أخوين غير متكافئين , كما أظهرهما الكاتب لنا في البداية , إلا أن الأخ الأقوى استطاع أن يثأر لنفسه من فعلة أخيه .
القصة التاسعة (مقابلة):
تتجلى الانقسامات بين المؤيدين والمعارضين في أشد صورها وضوحاً وإنارة لعالم ينحدر إلى الهاوية , ويتطلب قبضة فولاذية تعيده إلى محوره الذي مال عنه .
القصة العاشرة (ديما ) :
تروي معاناة الشعب بمجموع أفراده , من وضع البلبلة الأمنية , على أرضية رملية لا يمكن الركون إليها .
القصة الحادية عشرة (سماحة المقتدر ):
العفو عند المقدرة , منتهى ما تحمله القصة في تلافيفها , من أحداث , وهذا ليس بجديد على النخوة العربية .
القصة الثانية عشرة (عازف الناي ):
على بوابة زمن مقفل يعيد العازف ولادة ذاته التي استهلكها حلم لا يتجسّد .
القصة الثالثة عشرة 0تمهّل ):
يتحكم الخوف والنفاق بين الناس في عالم يداور أحداثه المتغيرة على الدوام , فلا يمكن أبداً أن تكون على سطح ذاتك ما دمت محكوماً بالخوف .
القصة الرابعة عشرة (الدوامة) :
(زيوان البلد ولا حنطة جلب ). تعود بطلة القصة إلى أرض أصالتها , وقد هشمت حلمها في تحقيق ذاتها على أرض غريبة , فمن يبحث عن خلاصه الفردي بمعزل عن جماعته , يكون بحكم الهارب من المواجهة
القصة الخامسة عشرة (فجور ):
لوحة تربوية لعهد صبياني بامتياز , تتغلب فيها حكمة المربي على مراوغة المراهق .
القصة السادسة عشرة (كرة الدم ):
هل يمكن لكرة بريئة في ملعب محايد , على أرض متحيزة أن تفرّخ كرات من الدم ؟ أجل , فلم يعد للغرابة وجود في عالم الغابات .
القصة السابعة عشرة ( أنا وصديقي جدوع ) :
حين تغدو كلمة الطلاق لا زمة تتكرر كل ليلة على لسان زوج سكّير هل يمكن لأوجاع الروح أن تبرّر هذه الحالة وتعيد الزوجة للمرة بعد العشرين إلى نصاب الزوجية؟
كلمة أخيرة :
من وراء ضبابية تشف حيناً وتتكاثف أحياناً , يرصد لنا الأديب الأستاذ رياض طبرة أحداث بلده العائمة على سطح مضطرب لأحلام ساكنيه بعيش مشترك يسوده الحب والؤئام , ويخيم عليه الأمن والسلام .
من خلال لغة تخييلية يغلب عليها الطابع السردي لا تخلو من عبارات شعرية , تطرّز عباءتها بومضات لافتة لخيال خصيب .
مثال: 0على بوابة زمن مقفل ) , (بحثت عن أمها في سطور الدمع ),(ذات فرح باغتني , وقعت عيناي على أقحوانة تسير
بقدمين حافيتين ,( نهضت أمنية في القلب ) . الخ ..
تتحرك الشخوص في قصص الأستاذ طبرة في جدلية الحياة والموت في خضم دموي من التناقضات لتستمر على ماهي عليه .
إن هذه المجموعة تدلي ببيانات البؤس والظلم وهي تتأرجح بين الرفض والقبول على منابر المزاودات والوعود الخلبية لاسترداد حقوق ذهبت مع الاستسلام واسترجاع دور ضاع بين الوحدة والانفصال .
لقد جاءت قصص الأديب رياض طبرة بأسلوبها الإيحائي التصويري المتميز , لتبث في أجواء الوجدان هموم ومعاناة من كبلهم الظلم والاستغلال والاستلاب وطرحهم على أرصفة الضياع يلملمون تبعثرهم الذي تخثر بفعل الاجترار لأحلام باتت فوق احتمال مخيلاتهم .
إن كل قصة من هذه المجموعة تدعونا إلى التأمل والتفكير لتشكل ما يرمز إلى رؤى المؤلف , وحياته ومعاناته مع الملايين التائهين في خضم الدماء التي استنزفها المال والسلاح في مكان وزمان خرجا من معطف التاريخ إلى فضاء الأبدية في جدلية الحلم والحقيقة, وقطبية الظلم والعدل , ونسبية الموجودات في أسر المحيطات حيث المحطات تستقطب روادها بالصاعق من المفارقات ويستمر قطار الأحلام ليلقي بأحماله , على قارعة الواقع القاتل للحب والحق والجمال .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.