الصفحات

رحيل أمة || بقلم حسين شبلي

لا تبحثوا في القدسِ عن هيكلٍ
ففي مصرَ هيكلٌ مُتجذرُ

تسعونَ عاماً و التاريخُ رفيقكَ
و من صاحَبَ التاريخَ لا يتكررُ

يا ربُّ كيفَ خطفتَ تاريخَ أمتي
خُذْ ألفَ حاكمٍ يتجبرُ


فعقلُ الحاكمينَ يباعُ و يُشترى
و عقلهُ نفيسٌ لا يُسَعَّرُ

نصفَ نبيٍّ بين قومكَ كنتَ
بلا معجزاتٍ فكركَ يُنْصَرُ

لو كنتَ في الغربِ لكنتَ
من أولي العزمِ بالغيبِ تُخَبِّرُ

لكنَ علمَ الغيبِ أصبحَ عندنا
بأفواهِ الطغاةِ يُخَبَّرُ

لا تكتئبْ فناصرُ قامَ من قبره
كأن خطابهُ يومَ القناةِ يتكرَّرُ

لا تكتئبْ فأبطالُ حربِ تشرين
حولَ سريركَ الأبدي تجمهروا

كلُ التواريخِ على رحيلكَ تبكي
فالتاريخُ بعدكَ متسوِّلٌ يُستَحْقَرُ

هُنا الدواةُ من شدةِ حزنها
ترى الرحيلَ.... و رغمَ ذلكَ تُنْكِرُ

هُنا الأوراقُ تسبحُ في الفضاء
لم ترَ مؤرخاً من بعدكَ يتصدَّرُ

لا أنبياءَ لهذا العصرِ و لو بُعِثَ
لكنتَ بأمرِ الله من يُنْذِرُ

تسعونَ عاماً يا خليفةَ نوح
بمئةٍ كلُ عامٍ يُقَدَّرُ

شرايينكَ من الدماءِ نضبتْ
لكنها بحبِ العروبةِ تتفجَّرُ

جثمانكَ لن يفنى بفعلِ تُربةٍ
فالترابُ من عظامكَ يُزْهِرُ

أفكاركَ بعدَ ألفِ عامٍ مخلصٌ
من سطورِ كُتُبِكَ يظهرُ

و قوافلُ الحروفِ لأجلِ نعيكَ
من سائرِ الأقطارِ تُسَيَّرُ ********

كلُ ذرةٍ في الضوءِ أظلمتْ
كأن رحيلكَ بالأنوارِ مُأَثِرُ

يا معجماً بين قرنين تسيَّدَ
كأن خيرَ القرونِ بكَ يُفَسَّرُ

و لو عِشْتَ مئةَ قرنٍ لما هادنتَ
فثورةُ الأفكارِ لا تتغيَّرُ

تأريخكَ خندقٌ حولَ العروبةِ
كأن العروبةَ بكَ تتسوَّرُ *********

يا رابعَ الأهرامِ يا طربَ التاريخ
لولاكَ لا تاريخَ للعروبةِ يُنْشَرُ

لولاكَ لَشَوَّهَ الساداتُ تاريخنا
و دعانا للإيمانِ من يكفرُ

كلُ مشيرٍ يساوي طفلاً عندكَ
و لحظةٌ من تاريخِ عمركَ أكبرُ

أسروا النيلَ بسدودِ الخيانةِ
و نيلُكَ حرٌ لا يُأْسَرُ

لولاكَ فككوا كلَ هرمٍ
و أفرغوا السماءَ مما يُقْمِرُ

يا خبراً لكلِ مبتدا في الشعر
أمامكَ كلُ اللغاتِ تخسرُ

كلُ البحارِ أمامَ علمكَ واحةٌ
و مضيقُ عقلكَ أبحرُ

ذكراكَ وميضٌ يثورُ و يبقى
فثورةُ أفكاركَ لا تُحظَرُ ********

خلعتَ عنكَ كلَ قضيةٍ
و منكبكَ برداءِ القدسِ يُسْتَرُ

يا هامةً عَلَتْ فوقَ الجبال
كأن قاسيونَ عن علوِّكَ يَقْصُرُ

هذي فلسطينُ تودِّعُ عاشقها
و ثغرها بآهاتِ الدمعِ يتمرمرُ

هذي دمشقُ تودِّعُ ابنها
فقلبهُ بالياسمين يَذْخَرُ

و مصرُ تودِّعُ إرثَ ناصر
و بيروتُ من رحيلهِ تُذْعَرُ

رحلتَ كأن أمتي رحلتْ
أبكيكَ و ما للبكاءِ مُخَدِّرُ

أنتَ قارةُ التاريخِ سيدي
و قارةُ التاريخِ لا تُسْتَعْمَرُ

بقلم حسين شبلي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.