الصفحات

وقفات بنت مع الموت المؤجل | قصص قصيرة | ابتهال الخياط

1-مولد بنت ..

كان الوقت فجرا ولا ساعة عندهم تشير الى ارقامها ..صوت امرأة تتوجع من ألم ولادة يتضاعف.تجلس عند رأسهاشقيقتها التي لم تتوفق في ان تكون زوجةو أم.
قابلة غير مأذونة عند ساقيها المنفرجتين تدعوها للمزيد من الصبر والتحمل والدفع ..وتبدأ صرخة طفل يخرج الى الحياة غير راغبا فيها ..
وتقول القابلة :
انها *بنت* حلوة.. وتضربها محفزة لها على البكاء او ربما كي تتعود عليه..ويعم الهدوء..ويسجد الوالد شكراً لله على جميل رزقه ..انها البنت الاولى بعد خمسة ذكور..وأصبح الصباح وكان الاب فرحا في دكانه البسيط يقول لاصحابه :
رزقت اليوم ببنت .
فيجيبوه :
بل رزقت بذكر وتخاف عليه الحسد فتقول "بنت" . فيسكت .
ــــــــــ
2- مرض..

بيت قديم تتسلق على جدرانه الرطوبة الكثة والفئران تستبيح كل مافيه..
وفي غرفة مظلمة وليل شتائي يجلس الابوان عند رأس *طفلة* في الرابعة من العمر تحرقها الحمى فتئن أنيناً خافتاً ..يتألم الاب لوجعها ويثور مؤنباً ألام قائلا: انتِ اهملتها حتى مرضت..اين سنذهب بها في هذا الليل الظالم والبارد.
وتسكت الام ..حيث كل مافي البيت من فقر ورطوبة لن يترك بنت صغيرة ان تتعافى وان كانت مدللة عند ابيها.
ــــــــــ
3- احتراق..

مطبخ نظيف اكملت الزوجة عملها باتقان وجهزت الطعام ..واتجهت الى ماكنة خياطة قديمة لتخيط بعض ملابس الصغار.
استيقظت *بنت* في الثانية عشرة من العمر من نومها الصيفي حيث لامدرسة تطلبها ..وطلبت من امها الفطور وبعض الشاي الساخن..
جهزت الام لها ماطلبت ..وقالت لها : سيسخن الشاي بعد قليل وآتيك به..
دخلت *البنت* الى المطبخ وهي تحاول رفع ابريق الشاء بملابسها من على النار فاشتعلت ..حاولت اخمادها بالماء لم تنجح ..كبرت النار آكلة ردائها ..
فصرخت راكضة نحو الام التي علا صراخها وهي تمزق ملابس البنت ..كانت النار قد اخذت نصف جسدها ... و كفيّ امها ..وفي المستشفى كان الاب يبكي مؤنباً الام على اهمالها.
ــــــــــــــــــ
4- حرب..من التأريخ

محطة باصات يأتي في كل ساعة باص ليتراكض اليه المنتظرون من الرجال..
كان الوقت نهاية النصف الاول من الدراسة الجامعية ..و*بنت *في العشرين من العمر بحقيبة سفر كبيرة تقف متلهفة لرؤية اي شخص قد يساعدها في صعود الباص..الكل من رفيقاتها استطعن التصرف..وهي بقيت بعيدة عن الجموع خوفا من اية يد قد تمتد اليها..ولكن الوقت قرب على الغروب ..واين ستكون ؟ وجاء باص جديد اضطرت ان تختزن خوفها وتكون مع الاخرين وتلك الحقيبة الكبيرة الكريهة..ابتسم احدهم وحاول ان يعبث فحماها آخر ..وأعانها على الركوب ..وكان الراكبون في الباص اكثر بكثير من الاماكن المخصصة ..ونظرها يتأرجح خوفا من اية يد عابثة وكادت شفتاها ان تتمزق من صكة اسنانها عليها ..وسمعت صوتا يقول : لمن هذه الحقيبة؟ لكنها لم تجب ! كانت مصابة بالخوف من أي شيء!
قام شاب مؤشرا لها لتجلس مكانه رغم انه ممتعض ..لكنه رجل يحمل قيم الغيرة ..رغم ان اكثر الجالسين هم من الرجال.
وصل الباص محطة المدينة ونزل الجميع ومنهم *البنت*.الوقت ليل مظلم ..وكيف ستسير لوحدها..؟ نظرت الى عائلة بقربها ففرحت وسارت معها ..لكن بعد قليل اعتذر الاب قائلا ان طريقهم قد تغير .
اخذت تسير لوحدها مع الحقيبة المملة ولاشيء يُرى الا سكائر مشتعلة بيد رجال يتحركون في كل مكان ..فالزمن زمن الحرب والتعتيم ..ولانساء في الطريق اخذت تسير بسرعة وفجأة كأن شيئا أوقفها ..لتشعر بطين تعلق بحذائها بثقله ..كانت حافة حفرة كبيرة ممتلئة بالماء.."الحمد لله كنت قد غرقت فيها الان!" واستدارت ببطء لتكمل الطريق بسرعة ليتلقفها الطريق المؤدي الى بيتها..وتدفع الباب بقوة ..لتكون اخيرا مع حقيبتها وسط العائلة
"شهق الاب والام والاخوة" .
من هو المهمل ؟
ـــــــــــــــ
5- غرفة من الجنة

*بنت* في السابعة والعشرين من العمر تجلس على كرسي قرب سرير ترقد فيه امرأة ليست بالعجوز فعمرها تجاوز الخامسة والخمسين بقليل ..تعودت الالم ..والحزن..
جلسةٌ طالت ..فتحرك الزمن هاربا منها ..والسنين تراكمت شيئا فشيئا ..الغرفة مقفلة ..والمرأة شاخت حتى صارت طفلة في حضن البنت ..تحنو عليها وتربيها من جديد ..وكل ما مرَّ الزمن متنصتا خلف باب الغرفة ..محاولا ان يسترق السمع ليطرق الباب ..خجل من بكاء الطفلة الشيخة..واغنية البنت التي صارت أما للأم..تنهيدة حزن تدعوها فيها للنوم مع الالم والحزن ..حتى كان اليوم ..يوما للفقدان ..ابتسمت الطفلة الشيخة بوجهها الابيض الجميل لتعلم امها *البنت* ان الوقت وقت الرحيل..وكان .
والان ايها الزمن ..اين انت ..هيا اقترب بسرعة وخذ منها ما تأخرت فيه..
ارجوك..فهاهي غرفة امها خالية بلا اصوات ..لا بكاء من الم ولا اغنية تتنهد..
لاشيخة هنا ولا *بنت* ستستعيد عمرا مضى..هو النهر ..نهر ضيق بسيط.. تريد ان تعبره فلا تستطيع ..لماذا ؟
انها خطوة واحدة فتكون على الجانب الاخر حيث طفلتها..اين انت ايها الزمن البليد ..نهرها ضيق تعال وسجل عبورها .. فقد احبت الرحيل.
ـــــــــــــ
ابتهال الخياط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.