يقف العروسان أمام البحر:
ـ لماذا تصمتين كثيرا, ولا توقفين استرسالي.
ـ إنّه البحر... يُكمل صوت في داخلها " يسلب منا ضيق خطابنا باتساعه "...
تتخيل صورة صاحب هذا الصوت، وهي تنظر في عينيه ( أي عمق؟!... و أي رحابة ؟!) .
لم يكن هناك بحر من ماء وملح كما الآن، ولا شعورٌ بمجرد جسد كالواقف بجوارها الآن,
لكن هذا الجسد يحاول باستيقاظه أن يُنوم مشاعرَ، وصوراً لم تغب عن البال؛ وهاهو ذا البحر بأسئلةٍ لا تنتهي، كتعاقب الموج, وتتابع ارتطامه بصخور, وقلوب تأبى أن تكون كالصخور.
ـ كيف ترين البحر...!! نبرته، وهو يحاول أن يجاريها بتأمل البحر كمن يثني قبضة الباب، وهو يعلم أنه مقفل، والمفتاح كأن أيدي السماء التقطته يوماً, أو سقط في بحرٍ ما.
ـ إنه البحر... " لا يطفئ الحنين, ولوعة الجائعين , لفضاءٍ ليس تختصرُ السكاكين ".
( أتقول هذا شيءٌ كالسجع..؟! )
تحسه شيئاً يحاول أن ينظم إيقاعه مع صوت البحر، فتحاكيه مشجعة :
( يا مالكاً قلبي الأمين... مهما نما من عوسجٍ حزين... لن أحني لهم الجبين... )
يبتسمان و تتسع ابتسامتهما ... لكن يفاجئها تغلغل الحزن في وجه الصورة المتخيلة كترقرق وهج الشمس على مساء البحر ومياهه ...
تطأطئ رأسها وبقايا ابتسامات عالقة سقطت مع أسى نظرات خالطت الرمال.
ـ لماذا تفعلين هكذا ؟!... صوت ابن عمها العريس كتنبيه يصلها ثم يغيب... تجثو على ركبتيها:
ـ إنه البحر... تبدو كمن يتوسل ليس لهذا الأزرق الكبير, بل لما فاض من قمرين بنيين صغيرين مغرورقين بكلم لا يهدأ... ترتعد بشرود من أصابه مس من سحرٍ... فيعاودها كلامه عن أمواجٍ كهرطيسية وأشعة فوق بنفسجية لا زالت تترصد فيهم لقاءً طال انتظاره.
ينحني العريس الذي بجوارها ليرى وجهها, ولكنها وكمن لم يرَ شيئاً، يُقيمها إحساسٌ بخواء حولها... تمشي إلى الأمام:
ـ أريد أن أركب زورقاً... يتبعها ابن العم كظلٍ على الرمال:
ـ لنركب أول زورق...
" إنه تيار قلوبنا تمتطيه زوارق خطابنا الإنساني الواسع "... ( أنت أيها المعلم الذي يمد تلاميذه بتيار من العسل جئتُ إلى هنا الآن لشهرٍ من العسل, و هاهو قد بدأ ينساب أمامي دون أن يمسني بأي طعم ).
تنظر إلى الذي يجلس بجوارها... ( لن أمكنك من نفسي هذه الليلة ).
تتذكر كيف طلبت منه أن يؤجل هذه المسألة حتى يصلا إلى البحر...
( هل وصلت ؟!...) تسأل نفسها وهي تطلب من صاحب الزورق أن يبتعد عن الشاطئ، وهو ينظر إلى امرأة يأخذها الأفق بعيداً عن ابن العائلة الذي يتكلم ويغني دون أن يصلها صوته...
يأخذها إلى من لا زال قريباً منها يتحدثان عن عائلة كبيرة... تذكره الآن كيف كان يحمل قصة من القصص التي يعطيها لتلاميذه... أراها العنوان مبتسماً كالأطفال... قرأت عيناها:(عروس البحر)... وشفتاها تخبرانه بخشيتها عليه منهم... يصمت قليلاً ثم يخبرها أنها لا تتكلم عن مجرد حكايةٍ خياليةٍ بل عن محبةٍ انبثقت من أعماقها، ولم تعد تستطيع العودة إليها... لا تستطيع إلا أن تحيا باللقاء بينهما, ليطفو من الأعماق علو جديد يزيد من عمق تلك المحبة، كبناءٍ حقيقي هو أجمل ما في الحقيقة من معنى...
هكذا كان يبني, وهكذا كانت تحاول أن تطاول بناءه عندما أهدته قصتها، وهي توصيه كطفل صغير أن يقرأ قبل النوم: ليس مجرد حكاية خيالية عن جمال نائم ينتظر من يطرق أبوابه, لكنها أسوار قلب لا تنفتح إلا مرة واحدة كل مئة عام... تسأل عيناها، ومن حدقتين تتسعان دهشة وتأثراً، تسأل قلباً ينبض بقوة: ( كم سنة يعيش هذا القلب ؟!... ) تضحك وهي تنظر إليه مختزنةً شعوراً بارتقاء خطابها، وصورةً عن شيء ما غمرهما معاً...
ينتفض جسدها بانعكاس لضحكها... تحاول أن تخفيه بعد صوت ابن عمها يأتيها كأزيز الآلة:
_ أتعلمين ما أحبه فيك... لقد ظن أن تجاوباً معه بدأ يظهر.
" أحببت روحك ونافذتها هذه كانت البداية، وأعتقد أنها النهاية أيضاً " لم تعلم أهي تورية منه, أم أنه القدر الموارب في انتظار تكملة له... لكنها كانت ترى ازدياد خشيته عليها أكثر من خشيته على نفسه, وتشعر بمحاولته الابتعاد دون أن يستطيع ....
تسمع العائلة بروايات عن قصصهما وقفت عند حد الخيال, فكما لم تقربه إليها هذه العائلة الصغيرة, لم تتركه في عائلته الكبيرة.
ـ لماذا لا تجيبين ؟!.
هي تتخيل وتستعيد ذلك الصوت الذي ناداها من النهر... فركضت تجاهه، فلم ترَ للصوت وللوهلة الأولى سوى جثةٍ مرمية على حافته ...
" أيغرق في نهر؟! " لم تبكِ, فالوهلة الأولى صنعت فيها وهلةً تدوم طويلاً... شعرت أن قلبها يُثقل لدرجةٍ كأنه يمد رجلين له بدلاً من رجليها, و كأن أوردته وشرايينه تنفتح على ما حولها بدلاً من حواسها...
لازالت تكرر في صحواتها بين فينة وأخرى لصاحب الزورق أن يبتعد أكثر فأكثر... ولكنها تعود إلى لا وعيها: ( أحقاً علينا هذه النهاية ؟!) وبعد برهة: ( ألم تقل أنك أحرقت السفن أمام و وراء حبنا ؟!... )
يجيء صوت صاحب الزورق:
ـ علينا أن نعود يا سيدتي...
( أين زوارقك ؟! ) تنظر حولها ( أين زوارقك يا حبيبي؟! )... يقع بصرها على قطعـة حديديـة كمسمار كبير, لكن بصرها يـدور مع دوران الزورق ( لا...
لا أفعلها ) ... تطلب أن يتوقف... تقف... يقف قلبها مع صوت حبيبها يهزج: " أعماقي تمضي... والدنيا أسفار... " وبقايا كلام ترتطم مع جسدها على صفحة الماء الأزرق ( أي أسفارٍ يا حبيبي؟!)...
يصخب البحر بحكايةٍ للمعلم في فيزياء القلب, تروي كيف أن القلوب التي لم تأت من عدم لا تفنى, مادامت قد نقلت محبتها للآخرين...
( أيّ آخرين يا حبيبي ؟!)
لم يصمت البحر، ولم يتوقف الموج...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ إضاءة : ما وضع بين قوسين مرتفعين " " هو صوت حبيبها المعلم في داخلها،
أما صوتها الداخلي الخاص فوضع بين قوسين كبيرين ( )
و كلامها و العريس سبقه _ ]
ـ لماذا تصمتين كثيرا, ولا توقفين استرسالي.
ـ إنّه البحر... يُكمل صوت في داخلها " يسلب منا ضيق خطابنا باتساعه "...
تتخيل صورة صاحب هذا الصوت، وهي تنظر في عينيه ( أي عمق؟!... و أي رحابة ؟!) .
لم يكن هناك بحر من ماء وملح كما الآن، ولا شعورٌ بمجرد جسد كالواقف بجوارها الآن,
لكن هذا الجسد يحاول باستيقاظه أن يُنوم مشاعرَ، وصوراً لم تغب عن البال؛ وهاهو ذا البحر بأسئلةٍ لا تنتهي، كتعاقب الموج, وتتابع ارتطامه بصخور, وقلوب تأبى أن تكون كالصخور.
ـ كيف ترين البحر...!! نبرته، وهو يحاول أن يجاريها بتأمل البحر كمن يثني قبضة الباب، وهو يعلم أنه مقفل، والمفتاح كأن أيدي السماء التقطته يوماً, أو سقط في بحرٍ ما.
ـ إنه البحر... " لا يطفئ الحنين, ولوعة الجائعين , لفضاءٍ ليس تختصرُ السكاكين ".
( أتقول هذا شيءٌ كالسجع..؟! )
تحسه شيئاً يحاول أن ينظم إيقاعه مع صوت البحر، فتحاكيه مشجعة :
( يا مالكاً قلبي الأمين... مهما نما من عوسجٍ حزين... لن أحني لهم الجبين... )
يبتسمان و تتسع ابتسامتهما ... لكن يفاجئها تغلغل الحزن في وجه الصورة المتخيلة كترقرق وهج الشمس على مساء البحر ومياهه ...
تطأطئ رأسها وبقايا ابتسامات عالقة سقطت مع أسى نظرات خالطت الرمال.
ـ لماذا تفعلين هكذا ؟!... صوت ابن عمها العريس كتنبيه يصلها ثم يغيب... تجثو على ركبتيها:
ـ إنه البحر... تبدو كمن يتوسل ليس لهذا الأزرق الكبير, بل لما فاض من قمرين بنيين صغيرين مغرورقين بكلم لا يهدأ... ترتعد بشرود من أصابه مس من سحرٍ... فيعاودها كلامه عن أمواجٍ كهرطيسية وأشعة فوق بنفسجية لا زالت تترصد فيهم لقاءً طال انتظاره.
ينحني العريس الذي بجوارها ليرى وجهها, ولكنها وكمن لم يرَ شيئاً، يُقيمها إحساسٌ بخواء حولها... تمشي إلى الأمام:
ـ أريد أن أركب زورقاً... يتبعها ابن العم كظلٍ على الرمال:
ـ لنركب أول زورق...
" إنه تيار قلوبنا تمتطيه زوارق خطابنا الإنساني الواسع "... ( أنت أيها المعلم الذي يمد تلاميذه بتيار من العسل جئتُ إلى هنا الآن لشهرٍ من العسل, و هاهو قد بدأ ينساب أمامي دون أن يمسني بأي طعم ).
تنظر إلى الذي يجلس بجوارها... ( لن أمكنك من نفسي هذه الليلة ).
تتذكر كيف طلبت منه أن يؤجل هذه المسألة حتى يصلا إلى البحر...
( هل وصلت ؟!...) تسأل نفسها وهي تطلب من صاحب الزورق أن يبتعد عن الشاطئ، وهو ينظر إلى امرأة يأخذها الأفق بعيداً عن ابن العائلة الذي يتكلم ويغني دون أن يصلها صوته...
يأخذها إلى من لا زال قريباً منها يتحدثان عن عائلة كبيرة... تذكره الآن كيف كان يحمل قصة من القصص التي يعطيها لتلاميذه... أراها العنوان مبتسماً كالأطفال... قرأت عيناها:(عروس البحر)... وشفتاها تخبرانه بخشيتها عليه منهم... يصمت قليلاً ثم يخبرها أنها لا تتكلم عن مجرد حكايةٍ خياليةٍ بل عن محبةٍ انبثقت من أعماقها، ولم تعد تستطيع العودة إليها... لا تستطيع إلا أن تحيا باللقاء بينهما, ليطفو من الأعماق علو جديد يزيد من عمق تلك المحبة، كبناءٍ حقيقي هو أجمل ما في الحقيقة من معنى...
هكذا كان يبني, وهكذا كانت تحاول أن تطاول بناءه عندما أهدته قصتها، وهي توصيه كطفل صغير أن يقرأ قبل النوم: ليس مجرد حكاية خيالية عن جمال نائم ينتظر من يطرق أبوابه, لكنها أسوار قلب لا تنفتح إلا مرة واحدة كل مئة عام... تسأل عيناها، ومن حدقتين تتسعان دهشة وتأثراً، تسأل قلباً ينبض بقوة: ( كم سنة يعيش هذا القلب ؟!... ) تضحك وهي تنظر إليه مختزنةً شعوراً بارتقاء خطابها، وصورةً عن شيء ما غمرهما معاً...
ينتفض جسدها بانعكاس لضحكها... تحاول أن تخفيه بعد صوت ابن عمها يأتيها كأزيز الآلة:
_ أتعلمين ما أحبه فيك... لقد ظن أن تجاوباً معه بدأ يظهر.
" أحببت روحك ونافذتها هذه كانت البداية، وأعتقد أنها النهاية أيضاً " لم تعلم أهي تورية منه, أم أنه القدر الموارب في انتظار تكملة له... لكنها كانت ترى ازدياد خشيته عليها أكثر من خشيته على نفسه, وتشعر بمحاولته الابتعاد دون أن يستطيع ....
تسمع العائلة بروايات عن قصصهما وقفت عند حد الخيال, فكما لم تقربه إليها هذه العائلة الصغيرة, لم تتركه في عائلته الكبيرة.
ـ لماذا لا تجيبين ؟!.
هي تتخيل وتستعيد ذلك الصوت الذي ناداها من النهر... فركضت تجاهه، فلم ترَ للصوت وللوهلة الأولى سوى جثةٍ مرمية على حافته ...
" أيغرق في نهر؟! " لم تبكِ, فالوهلة الأولى صنعت فيها وهلةً تدوم طويلاً... شعرت أن قلبها يُثقل لدرجةٍ كأنه يمد رجلين له بدلاً من رجليها, و كأن أوردته وشرايينه تنفتح على ما حولها بدلاً من حواسها...
لازالت تكرر في صحواتها بين فينة وأخرى لصاحب الزورق أن يبتعد أكثر فأكثر... ولكنها تعود إلى لا وعيها: ( أحقاً علينا هذه النهاية ؟!) وبعد برهة: ( ألم تقل أنك أحرقت السفن أمام و وراء حبنا ؟!... )
يجيء صوت صاحب الزورق:
ـ علينا أن نعود يا سيدتي...
( أين زوارقك ؟! ) تنظر حولها ( أين زوارقك يا حبيبي؟! )... يقع بصرها على قطعـة حديديـة كمسمار كبير, لكن بصرها يـدور مع دوران الزورق ( لا...
لا أفعلها ) ... تطلب أن يتوقف... تقف... يقف قلبها مع صوت حبيبها يهزج: " أعماقي تمضي... والدنيا أسفار... " وبقايا كلام ترتطم مع جسدها على صفحة الماء الأزرق ( أي أسفارٍ يا حبيبي؟!)...
يصخب البحر بحكايةٍ للمعلم في فيزياء القلب, تروي كيف أن القلوب التي لم تأت من عدم لا تفنى, مادامت قد نقلت محبتها للآخرين...
( أيّ آخرين يا حبيبي ؟!)
لم يصمت البحر، ولم يتوقف الموج...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ إضاءة : ما وضع بين قوسين مرتفعين " " هو صوت حبيبها المعلم في داخلها،
أما صوتها الداخلي الخاص فوضع بين قوسين كبيرين ( )
و كلامها و العريس سبقه _ ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
يمنع نشر أي تعليق مسيء للأديان السماوية, أو يدعو للتفرقة المذهبية والتطرف, كما يمنع نشر أي موضوع أو خبر متعلق بأنشطة إرهابية بكافة أنواعها أو الدعوة لمساندتها ودعمها,أو إساءة للشخصيات العامة
كُل المحتوي و التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع .
بعض صور الشعراء و الشاعرات غير صحيحة، نرجو تبليغنا إن واجهت هذى المشكلة
إدارة الموقع لا تتابع التعليقات المنشورة او تقوم بالرد عليها إلى نادراً.