أخيراً.. ألقى جسدَهُ المتعبَ على سريرِهِ.. احتضنَتْ وسادتُهُ رأسَهُ كعادتِهِا.. وبدأَتْ حديثَها بحنينٍ.. حدثَتْهُ عنْ ولادتِهِ وعنِ الطِّفلِ فيهِ.. عن جسدِ امرأةٍ و الدِّفء.. عنِ الأمانِ.. و العمرِ القادمِ الجميلِ و المستقبلِ الواعدِ.. ضاقَ صدرَهُ حدَّ الاختناقِ.. فقالَ حدثيني عن الانتماءِ.. الهويَّةِ.. الرُّوحِ.. عن هذا المكانِ.. عنِ العملِ حتَّى الشَّقاءِ.. أغمضَ عينيهِ ليهربَ إلى نومٍ عميقٍ يقيهِ عذاباتِ الحديثِ.. وهناكَ رأى نفسَهُ وحيداً يمشي باحثاً عن السَّلامِ.. رافعاً رأسَهُ ينظرُ الطَّريقَ الطَّويلَ مقارناً إيَّاهُ بتاريخِ عروبتِنا العريقِ .. خطَّانِ متوازيان هوَ والخذلان والتاريخ العريق.. ولغاتٌ مختلفةٌ في سياقِ العمرِ تأخذُهُ هنا وهناك .. من دونِ انتماءٍ دينيٍّ ولا عرقيٍّ.. وحدَهُ يسيرُ عالماً سادَ فيهِ الخرابُ.. يبحثُ عنهُ مكاناً يظلِّلُهُ في هذهِ البقعةِ الجغرافيَّةِ.. عبثاً فالخرابُ في كلِّ مكانٍ.. من هو؟.. أيكونُ هو الإنسانُ.. أم هويَّةً ًضاعَتْ.. أم جذوراً لشجرةِ التُّفاحِ.. أم روحاً بداخلِ جسدٍ.. أيكون هواءً لحياةٍ.. أم ماءً يروي كلَّ عطشٍ.. استيقظَ على صوتِ القنابلِ وسماءٍ يلفحُها السَّوادُ .. استيقظَ يُبَعثِرُ خوفَهُ أشلاءً أشلاءَ. ولهيبُ الغدرِ نالَ منهُ ما شاءَ.. استيقظَ على يقينٍ وهو يلتقطُ هويَّةً سقطَتْ منهُ.. استيقظَ على صوتِ أمًّ تندبُ جسداً غادرتْهُ الرُّوحُ الى السَّماءِ .. استيقظَ قبلَ أن يحلمَ بالأمنِ والسّلامِ.
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير
-
تحميل كتاب مسمار جحا لـ على أحمد باكثير لتحميل الكتاب من قسم: مسرحيات عن
هذا الكتاب: هذه المسرحية نكتشف مذاق جديد يتجلى حس الفكاهة والسخرية على لسان
جحا و...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق